الفيلسوف كبار الشخصيات
عدد الرسائل : 142 تاريخ التسجيل : 16/06/2007
| موضوع: قيس وليلى الأربعاء يونيو 27, 2007 4:22 am | |
| حكاية ليلى والمجنون هي من أغلب قصص الحب المشهورة على الإطلاق. بل أغلبها شهرة ومعرفة عند العام والخاص.
" المجنون هو قيس بن الملوح العامرى ابن عم ليلى "
حدثت هذه القصة في صدر الإسلام ، في القرن الأول الهجرى، في وقت كانت البادية العربية تعيش في عزلة نسبية .
بدأت قصتهما كما تبدأ أكثر قصص الحب فى البادية في المرعى، وهما صبيان يلعبان ويرعيان ماشية أهلهما.
وكبر العاشقان، وكبر معهما حبهما، وحجبت ليلى عن قيس، فازداد حبه لها، واشتد حنينه إلى أيامهما الصغيرة أيام أن كان الحب طفلا يرعاهما دون رقيب أو حجاب.
يقول قيس :
تعلقـت بليلـى وهــي ذات ذؤابــةولم يبد للأتراب مـن ثديهـا حجـم صغيرين نرعى البهم، ياليت أنناإلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
ولكن عجلة الزمن لا ترجع إلى الوراء، وطفل الحب الذي رعاهما في صباهما الصغير يكبر وينمو، ويشتد ساعده، ويقوى عدوه، وسهامه الصغيرة الرقيقة التي ضمت قلبيهما صبيين في المرعى أصبحت بعد أيام الصبا حادة نافذة.
لقد جاء الإسلام فرفع منزلة المرأة العربية فلم تعد واحدة من أساليب اللهو التي اعتاد عليها البدوي ليحقق وجوده الضائع في الصحراء المترامية الأطراف إلى جانب الخمر والميسر.
إن الدين الجديد يحرم عليه الخمر ويحرم عليه الميسر، ويفرض عليه قيودا دينية واجتماعية وخلقية.
وكان الشاب ينظر حوله، فلا يرى إلا بنات أعمامه، إنهن رفيقات اللعب في الصبا، وأول من يتعرف إليهن من نوع الأنثى فيختار الشاب إحداهن ، تسحره نظرة منها أو التفاتة أو كلمة عابرة ، ويميل القلب نحوها ولكن فجأة تختفي بنت العم تماما ، فالتقاليد تحجبها داخل خيمتها، لا تخرج منها إلا بصحبة حارسة، وللضرورة .
هذه الظروف ما هي إلا تربة خصبة لنمو العاطفة واشتعالها ، فيستبد الوجد والشوق إلى المحبوبة ويزداد التعلق بها، وتسيطر صورتها على خيال الحبيب ولا يفكر إلا فيها ، إن حياته كلها أحلامه وأشواقه تتركز في نقطة واحدة ، أن يراها .
ويتحول الشاب الذي كان يزهو بفتوته بين أقرانه، إلى شبح هزيل يجبو الصحراء، تتقاذفه العلل والأوهام، يردد أبيات شعر رائعة عن حبه وعن ذكريات طفولته ويذكر فيها محبوبته كثيراً. هذه إجمالا ملخص القصة والكثير من القصص المشابهة لها.
اشتد هيام قيس، ولم يجد إلا شعره متنفسا له ينفس فيه عن نفسه ما تنوء به من وجد وشوق وحنين.
واشتهر أمره في الحي، وتداولت الألسنة قصة حبه. تقدم قيس إلى عمه طالباً الزواج من ابنته ليلى ، وبدلا من أن يفرح العم ويرحب، إذا به يرفض، ويصر على الرفض .. لماذا ؟
لأن التقاليد تمنع العرب من الموافقة على زواج ابنته من رجل تشبب بها أي تغزل فيها في شعره !
وفي نفس الوقت تقدم فتى من ثقيف يخطبها أيضا، ويكرهها أهلها على قبول الثقفي ورفض قيس خوفاً من العار وقبح الأحدوثة، وقطعاً لألسنة الشائعات وقالة السوء والإفك.
ومضى الثقفي بليلى إلى الطائف، ولعل ذلك الحل كان بوحي من أبيها الذي شاء أن يبعدها عن مسرح الأحداث .
وازدادت حيرة قيس واضطرابه، وثقلت على نفسه الهموم والأحزان، وصار يحس أنه بين شقي رحى طاحنة : حب لا يملك منه فكاكا، ويأس لا يرى معه بصيصاً من أمل.
ولا يجد سوى شعره مرة أخرى ينفس فيه ما تفيض به نفسه من حزن وشجن، وحيرة واضطراب، وضيق وسخط.
يقول قيس :
فأنت التي إن شئت أشقيـت عيشتـيوإن شـئـت بـعـد الله أنـعـمـت بـالـيـا وأنت التـي مـا مـن صديـق ولا عـدايـرى نضـو مـا أبقيـت إلا رثــى لـيـا إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتنيأصـانــع رحـلــي أن يـمـيـل حيـالـيـا يميـنـا إذا كـانـت يمـيـنـا، وإن تـكــنشمالا يناز عني الهوى عـن شماليـا أعـــد الـلـيـالـي لـيـلــة بــعــد لـيـلــةوقــد عـشـت دهــراً لا أعــد الليالـيـا أرانــى إذا صلـيـت يـمـمـت نـحـوهـابوجهـي وإن كـان المصـلـى ورائـيـا ومـــا بـــي إشـــراك، ولـكــن حـبـهـاكمثـل الشجـا أعيـا الطبيـب المداويـا أحب مـن الأسمـاء مـا وافـق اسمهـاوأشـبـهــه أو كــــان مــنــه مـدانـيــا هــي السـحـر إلا أن للـسـحـر رقـيــةوأنــي لا ألـفـي لـهـا الـدهــر راقـيــا
ويقول أيضا مصورا الصراع بين اليأس الذي يميته، والأمل الذي يحييه:
ألقى من اليأس تارات فتقتلنيوللرجـاء بشـاشـات فتحييـنـي
ويقول مصورا السخط الذي تنوء به نفسه الحزينة المتمردة:
خلـيـلـي، لا والله لا أمـلــك الــــذيقضى الله في ليلي ولا ما قضى ليا قضاهـا لغيـرى، وابتـلانـي بحبـهـافـهـلا بـشـئ غـيـر لـيـلـى ابتـلانـيـا
وانهار أعصاب قيس تحت وطأة هذه الرحى الطاحنة، وجن جنونه ، بعد أن ترك وحيدا، وعصفت بعقله العواصف ، فخرج إلى الصحراء هائماً على وجهه لا يكاد يدري من أمره شيئاً، يناجي خيالها البعيد، ويصور فى شعره محنته القاسية، ومصابه الفاجع في أعز ما يملك فى الحياة : قلبه وعقله اللذين ذهبت بهما ليلى إلى غير رجعة.
يقول :
أقول لأصحابى: هي الشمس ضوؤهاقـريــب ولـكــن فـــي تنـاولـهـا بــعــد لقـد عارضتـنـا الـريـح منـهـا بنفـحـةعلـى كبـدي مـن طيـب أرواحهـا بـرد فمـا زلـت مغشيـا علـي، وقـد مـضـتأنـــاة ومـــا عـنــدي جــــواب ولا رد أقـلــب بــالأيــدي، وأهــلــي بـعـولــةيفدونـنـي لــو يستطيـعـون أن يـفـدوا ولـم يبـق إلا الجـلـد والعـظـم عـاريـاولا عظم لـي أن دام مـا بـي ولا جلـد أدنياي ما لي في انقطاعـي وغربتـيإلـيــك ثـــواب مـنــك ديـــن ولا نــقــد عديني - بنفسـي أنـت - وعـداً فربمـاجلا كربة المكروب عـن قلبـه الوعـد وقــــد يـبـتـلــي قـــــوم ولا كـبـلـيـتـيولا مثـل جـدي فـي الشقـاء بكـم جــد غزتنـي جنـود الحـب مـن كـل جـانـبإذا حـان مـن جـنـد قـفـول أتــى جـنـد
ولا شك أن عقله عجز تماما عن فهم أو تقبل ذلك المنطق الذي خضع له عمه، وكل القبيلة، التي لم يحاول أحد فيها أن يلين من صلابة رأس ذلك الرجل، أو يوفق بين الرأسين في الحلال. ولا شك أن ذلك العم كانت لديه أسباب عديدة .. لكن أحدا لم يخبرنا عنها .
إننا نعرف فقط أن التقاليد العربية في ذلك الوقت هي التي أملت عليه كلمة لا، وأن هذه الكلمة تعلقت بلسانه، وسدت أذنيه وأغمضت عينيه فلم ير ابن اخيه يهيم في الصحراء، ولم يرق قلبه وهو يستمع لأرقى الشعر يردده كل الناس بعد قيس، يصور فيه لوعته ويذيب شبابه الغض قطرة قطرة على رمال الصحراء التي لا ترتوي .
وتمر الأيام، وقيس لا يزداد إلا سوءا، لقد غزته حقا كما يقول "جنود الحب من كل جانب"، بل لقد غزته جنود الجنون حتى ذهبت بعقله، وهو جنون بالغ فيه الرواة وتخبطوا في تصويره، ولعب خيال القصاص في ذلك دوراً كبيراً، حتى تحولت حياة العاشق المسكين على أيديهم إلى حياة يصعب - بل يستحيل - تصورها.
والمسألة أبسط مما تصوروا، لقد سيطر الحب على عقل قيس، واستبد به، حتى أذهله عن كل ما عداه، وتركه تائهاً في أوهامه، هائماً في خيالاته، لا يكاد يصحو منها إلا إذا ذكرت له ليلى. وهو يصور فى شعره حاله تصويراً دقيقاً لا صلة له بمبالغات الرواة وأخيلة القصاص.
يقول مرة :
أيا ويح من أمسى تخلس عقلهفأصبح مذهوبـاً بـه كـل مذهـب إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعتعوازب قلبي من هوى متشعب
ويقول أخرى :
وإنـــى لمـجـنـون بلـيـلـى مــوكــلولست عزوفا عن هواها ولا جلدا إذا ذكــرت ليـلـى بكـيـت صـبـابـةلتذكارهـا حتـى يبـل البـكـا الـخـدا
ويقول أيضأ :
وشغلت عن فهم الحديث سوىمـاكــان فـيــك فــإنــه شـغـلــي وأديــم لـحـظ مـحـدثـي لـيــرىأن قـد فهمـت وعنـدكـم عقـلـي
وبذل أهله كل ما في وسعهم لينقذوه مما آلت إليه حاله، ولكن محاولاتهم ذهبت جميعا أدراج الرياح. يقول قيس بن الملوح مصوراً اضطرابه والحيرة التي به أدق تصوير وأروعه:
فــــوالله ثــــم والله إنــــي لــدائـــبأفـكـر مــا ذنـبـي إلـيـك وأعـجــب ؟ ووالله مـــا أدري عـــلام قتلـتـنـي ؟وأي أمـوري فيـك يـا ليـل أركــب ؟ أأقطع حبل الوصل فالموت دونـه ؟أم أشرب رنقا منكم ليس يشـرب ؟ أم أهرب حتى لا أرى لي مجاورا ؟أم أصنـع مـاذا أم أبــوح فأغـلـب ؟ فأيهـمـا يـــا لـيــل مـــا ترتضـيـنـه؟فـإنــي لمـظـلـوم ، وإنـــي لمـعـتـب
إنها الحيرة والاضطراب والقلق النفسي عبر عنهما قيس هذا التعبير الرائع، معتمدا على هذا الأسلوب الاستفهامى الحائر، وهذه التقسيمات المضطربة القلقة لوجوه المشكلة التي يعانيها كما يعانيها غيره من أصحابه العذريين.
وظل قيس في صحرائه غريباً مستوحشاً مشردا لم تبق منه إلا بقية من جسد هزيل، وبقية من عقل شارد كلما ثبت إليه فزع إلى شعره يبثه ما يلقاه في حب ليلى من عناء وشقاء، وما يقاسيه بسببه من كرب وتباريح،
حتى لقي منيته في واد مهجور خشن كثير الحجارة ، بعيداً عن أهله، وليلى التي عذبه حبها ، وبعيداً عنها بعد ما وهب لها حياته وفنه، بعيداً عن أبيها الذي كان سبب شقائه وبلواه، ولكنه لم ينسى أن يوجه إليه قبل أن يودع الحياة أبياتا وجدت بعد موته مكتوبة إلى جواره، والتي صور فيها ما تفيض به نفسه من حقد عليه، كما صور فيها مأساته الحزينة تصويراً دقيقاً مؤثراً :
ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضىشقيت ولا هنيت من عيشك الغضا شقـيـت كـمـا أشقيتـنـي وتركـتـنـيأهيم مـع الهـلاك لا أطعـم الغمضـا كــأن فــؤادي فــي مخـالـب طـائـرإذا ذكـرت ليلـى يشـد بـهـا قبـضـا كــأن فـجـاج الأرض حلـقـة خـاتـمعلي فمـا تـزداد طـولا ولا عرضـا
إنها النتيجة الطبيعية لهذا الصراع الدائب المتصل الذي لا يهدأ ولا يستقر. أسقام وأدواء وأوجاع وعلل تهجم على العاشق المسكين، فينوء تحت وطأتها جسده الذي أهزله الضنى، وأضناه الهزال، وتنهار معها أعصابه التي أرهقها الصراع النفسي الذي لا ينتهي إلى نهاية مريحة، والتي أجهدها التفكير في مشكلات معقدة لا حل لها. فالموت فعلا راحة لكل حي.
ولاشك أنه كان شخصية فريدة من نوعها .. أو لعلها المبالغات التي يولع بها الناس فيزينون بها قصص الحب تعبيراً عما تختزنه قلوبهم من كبت وحرمان.
يقولون : إن قيساً كان يغمى عليه كلما ذكر اسم ليلى، سواء كان الحديث عنها بمكروه أو بخير فهو يغشى عليه بمجرد سماعه اسمها !
ويقولون إنه وقف ذات يوم يتحدث إلى ليلى وفي يده جمرة من نار فأخذت النار تحرق رداءه حتى أتت عليه ووصلت إلى جسمه وقيس لا يشعر !
وفي أواخر أيامه حكي عن قيس أنه عاش مع الوحش فأنس إليه وفضله على بني الإنسان، وأن الوحوش أيضاً صارت تأنس إليه ! فقلوبهم رقت لحاله، بينما ظلت قلوب أهله كالحجر الذي لم يتفتت ولم يذب لسماع أشعار قيس الرائعة.
وأسدل الستار على مأساة أخرى من مآسي الحب العذري. | |
|
yamt3bny
عدد الرسائل : 34 تاريخ التسجيل : 10/07/2007
| موضوع: رد: قيس وليلى الأربعاء يوليو 25, 2007 5:48 am | |
| يعطيك العافيه الفيلسوف على هذي القصه وتقبل مروري | |
|